مكة وحملة ميراث النبوة - 26 ابريل 2017
2021-10-23 569
لم تزلْ مكةُ منذُ تنزَّلَ فيها الوحيُ أولَ مرةٍ عاصمةً لعلومِ الشريعةِ، وموئلًا لعلمائِها، منذُ علَّمَ فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلَّمَ أصحابَهُ أولَ آيةٍ نزلَ بها الوحيُ، ثمَّ دَرَجَ في شِعابِها حَبْرُ الأمةِ عبدُالله بنُ عباسٍ رضي الله عنهما يُفسِّرُ الكتابَ ويُعلِّمُ السننَ، ثمَّ تصدَّرَ فيها عطاءُ بنُ أبي رباحٍ، ومجاهدُ بن جَبْرٍ، وعكرمةُ مولى ابنِ عباسٍ، ثمّ سادَ فيها عِلْمُ مُفتيها شيخِ الحرمِ ابنِ جُريجٍ، ثم أشرقَ فيها نورُ حافظِ العصرِ سفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ، ثمَّ بزَغَتْ فيها نجمُ شمسِ الدنيا وعافيةِ العلومِ: محمدِ بنِ إدريسٍ الشافعيِّ، وتعاقَبَ الكِبارُ المكيونَ من بَعْدُ يَتسلَّمُ فيهمُ الرايةَ كابرٌ عن كابرٍ، فعرفتْ مكةُ الزمخشريَّ، وابنَ حجرٍ الهيتميّ، والمعلِّمي، والمشّاط، وشطا، ودحلانَ، وغيرَهم.
حتى كان هذا العصرُ الحديثُ عصرُ المؤسساتِ العلميةِ الأكاديميةِ، فلمْ تتأخَّرْ مكةُ عن عادتِها في السَّبْقِ فنشأتْ فيها أوَّلُ كليةٍ للشريعةِ في المملكةِ العربية السعوديةِ وذلك سنةَ ألفٍ وثلاثِمِئَةٍ وتسعٍ وستينَ للهجرةِ.
ولأجلِ ذلكَ كانتْ مكةُ ومازالتْ مقصِدًا لرحلةِ طُلابِ العلمِ، وحمَلَةِ ميراثِ النبوَّةِ.
إنَّ حكومة خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله وهي اليومَ حاملةُ لواءِ الأمةِ، ورافعةُ رايةِ التوحيدِ، قد استشْعَرَتْ أنَّ من واجباتِها القيامَ بعِبْءِ نَشْرِ هذا الدينِ الحقِّ، بمنهجِهِ الوسطيِّ، الـمُسْتَمَدِّ من أنوارِ الوحيينِ، وبفَهْمِ السَّلفِ الصالحِ، فقامت بدعم بَرْنامَجَ المنحِ الخارجيةِ الذي يستضيفُ أبناءَ المسلمينَ من كلِّ مكانٍ فيهيّئُ لهم سُبُلَ العيشِ الكريمِ، ويفْتَحُ لهم أبوابَ التعلُّمِ بدءًا بدراسةِ اللغةِ العربيةِ وانتهاءً بالشهاداتِ العُلْيا.
وقد تخرَّج من هذا البرنامجِ بحمدِ الله آلافٌ مؤلفةٌ ممن تلقوا العلم علي أيدي علماء المملكة في الجامعات والمعاهد والمدارس التابعة لوزارة التعليم وكذلك في المؤسسات التعليمية التابعة لرئاسة الحرمين الشريفين وصاروا دُعاةً في بلدانِهم، وحَمَلةً لمنهجِ أهلِ السنةِ، وسفراءَ لبلادِ الحرمينِ: المملكةِ العربيةِ السعوديةِ.
وجامعةُ أمِّ القرى -بفضلٍ من اللهِ- ولشرف المكان من أكثرِ الجامعاتِ السعوديةِ استضافةً لطلبةِ العلمِ هؤلاءِ، وهي بذلك تواصلُ رسالةَ العلمِ المكيةِ، تَحْتَضِنُ هؤلاء الذين أَقْدَمَهُم الارتحالُ في طلَبِ العلمِ، وحبُّ جِوارِ البيتِ العتيقِ. غادروا بُلْدانَهُمْ، وفارقوا أهليهم؛ ليَنْهلوا من معارفِ مكةَ وعلومِها، ويتلقَّوْا عنْ أشياخِها وعلمائِها، فأَهْلًا بهم، رُسُلَ مَعْرِفةٍ، وحَمَلةَ فِقْهٍ، وسُفراءَ هدايةٍ.